التواصل المعرفي والاتصال الثقافي في حياة مالك بدري 1932-2021م
مالك بدري عالم نفس وباحث اسلامي بكل ما للوصفين من معنى، ويمكن القول انه الباحث السايكولوجي الاكثر حضورا وشهرة في الاوساط العربيه والاسلاميه منذ نهايات القرن العشرين وحتى اليوم. وربما كان انضمام عالمنا لقوافل الراحلين من المفكرين والقادة هو ما دعانا في هذا الوقت للحديث عن حياة مالك بدري الاكاديمي والمعالج النفسي والناشط الثقافي والسياسي فإنه قد ظل محل انتباهنا منذ وقت مبكر، ومصدر الهام لكثير من الباحثين والأكاديميين.
كان مولد البروفيسور "مالك بابكر بدري" Dr. Malik Badri عام 1932 بمدينة رفاعة بوسط السودان لأسرة اشتهرت بالعلم والتعليم فأتيح له أن يعيش برزخا بين عصر الاستعمار والتحرر منه، والتحديث والتنافس فيه محليا وإقليمياً، عصر المقابلة بين الاصالة والمعاصرة.
كانت حياة بروف مالك حركه متوترة بين خطوط الطول ودوائر العرض فما ان بلغ الرشد في أرض رفاعة حتى غادرها مهاجرا للدراسة في لبنان التي كانت ولعدة عوامل بوتقه التقاء جموع من الشباب العربي الذين سيصبحون بعد تهرجهم من جامعاتها ومتدياتها ونواديها رموزا للتحديث وقادة الحياة العامة في بلدانهم، كانت بيروت تجمع بين انجلوكونية المشرق الغربي وفرانكوفونية المغرب وبين عروبية القوميين وأصولية الإسلاميين، لقد تخرج في جامعه بيروت العربية والجامعة الأمريكية في بيروت عدد من رموز والقاده السودانيين.
وقد توفي يوم الإثنين 26 جمادى الآخرة 1442 الثامن من فبراير 2021 عن عمر ناهز ٩٨ عاما تمتع فيها بروح شابه وحيوية وحضور نادر . في ذكراه وتحت عنوان مالك بدري فقدان ايقونة فكرية كتب عنه ذو الكفل عبد عبد الرازق من ماليزيا "كان مؤلفًا وطبيبًا وأستاذًا في علم النفس سودانيًا كان ادعاء الشهرة مؤسسًا لعلم النفس الإسلامي الحديث. ألف كتابه واسع التأثير "معضلة علماء النفس المسلمين" كمنارة تضيء مسارًا جديدًا بعيدًا عن "جحر الضب" الذي يضرب به المثل. هذا هو الكتاب الذي ربطني به كأكاديمي شاب في دراستي لعلوم الأعصاب في البحث عن المستقبل".
وغادر مالك الدنيا والساحة منشغلة بآخر أطروحاته"الجوانب العاطفية في حياة الأنبياء: كشف وتأملات نفسية" الذي نرجو أن تتاح لنا فرصة لمناقشته في مناسبة أخرى. ويقول عن نفسه: "كنت ميالا للتصوف تخصصت في علم نفس ما وراء الحس (الباراسيكولوجي)." وكان مهتما بالتقاء الميتافيزيقي والوجودي بالطبيعي والتاريخي وتطور الأمر معه من التاريخانية الظرفية إلى نوع من الروحانية المتعقلنة.
وعن المفارقة بين اختياره التمرد والحركية في بداية حياته ولجوئه لشيء من التصوف في خواتيمها يقول مالك بدري أن «الإنسان عندما يكون في الثلاثين من العمر يطمح لتغيير العالم، وفي الأربعين يقنع بتغيير بلده، وفي الخمسين يرتضي بتغيير أسرته، وفي الستين يحتاج لتغيير نفسه، وقد تجاوزنا هذه السن.»
و كانت اختيارات مالك بدري حاسمة امام افق واسع من الفرص التي اتاحتها له نشأته المميزة ويبدو انه في بداية حياته قد اختبر جل تلك المتاحات واختار مجال علم النفس عامه والعلاج النفسي خاصه موضوعاً لكفاحه.
ونتحدث اليوم عن مالك بدري لانه من الاكاديميين الذين استمر عطاؤهم الى الايام الاخيرة من حياته الممتدة بين قرنين. حيث يمثل مالك بدري نموذجا للعالم المسلم ذو العلاقه الموجبه بذاته وتراثه دون انكفاء، والعلاقه الموجبه نحو زمانه والآخرين دون استلاب.
ولعل مالك بدري من أكثر من استوفى المعايير الثلاثة التي افترضها الشنقيطي في من يستحق أن نعتبره ضمن " خيرة العقول المسلمة في القرن العشرين" وهي:
الجمع بين ثقافتي الشرق والغرب.
الجمع بين العلم الشرعى والموقف الشرعي.
الجمع بين عمق الفكرة واشراق الروح.
ونضيف إليها قوة الحضور الذاتي إسلاميا وعالمياَ.
ولكل من هذه الصفات دلالة في شهرته العالمية، ولعلنا لا نبالغ إذا قلنا أنه من أكثر علماء النفس المسلمين تأثيراً خلال الفترة الممتدة بين منتصف القرن العشرين إلى الربع الأول من القرن الحادي والعشرين الميلادي.
يتحدث الاستاذ الدكتور عمر هارون الخليفة عن السمات المميزة لشخصة بدري مركزا على رعاية الصلات وهي صفة يعرفها معظم من تعاملوا معه عن قرب يقول عنها ب. عمر هارون «عندما أراسله عبر البريد الإلكتروني كان يرد على رسائلي بنفسه بعد ساعات قلائل من وصولها. كأنما جاء بدري قبل عصره في علم النفس في العالم العربي. فضلا عن ذلك هو شخصية متحمسة وجذابة كالمغناطيس ومؤثرة فخاصة عندما يتحدث ويتفاعل مع الآخرين.وربما تكون قوة شخصيته هي في تأثيره على طلابه"
القيام بالوساطة المعرفية:
بين ابو
زيد البلخي وسيغموند فرويد جاءت أعمال بدري لتمثل همزة وصل بين العقل التخصصي
المسلم والعقل السيكولوجي الغربي فقد جعله تكوينه المعرفي المزدوج قادرا على
التعاطي مع المعارف السلوكيه والنفسيه في الحضارة الاسلامية والتعامل مع مباحث علم
النفس الحديث.
تأسست لديه قاعدة من المعرفة والخبرة الوظيفية والمهنية في مجالات
ومباحث علم النفس أهلته للقيام بدور
الوساطة بين واقع ممارسة العلاج النفسي في المجتمعات الاسلامية وما يقابله من ممارسات علاجية في بيئة منشأ الدراسات النفسية في الغرب.وابتدع في مجال العلاج النفسي -بحسب شنان- أساليب علاجية جديدة تقوم على الفهم الإسلامي العميق للنفس البشرية فقدّم اختراقات مشهودة في هذا المجال وثّقتها الدوائر العلمية مما مهد الطريق لقيام كثير من المؤسسات العلاجية والإرشادية حول العالم متبنيةً أطروحاته.[1]"
[1] شنَّان، أحمد محمد الحسن: البروفسور مالك بدري: سلام عليك في الخالدين، صفحة مُحبي بروفيسور مالك بابكر بدري ،https://web.facebook.com/BrwfyswrloversofMalkBabkrBdry/posts/3867869846596406?_rdc=1&_rdr
الاتصال عبر الثقافي:
ويواصل هارون
أن من أهم ما يحسب للباحث بدري هو قوة المقارنات عبر الثقافية في كتاباته. فمساهمته المبدعة ذات التوجهات التوطينية لعلم النفس في
العالم العربي تتجلى في رؤيته عبر الثقافية.
في مقاله بعنوان
(مجهودات مالك بدري في أسلمة علم النفس (1)) أورد
موقع إسلام اونلاين هذه القصة على لسان مالك بدري، يقول: كانت أولى محاضراتي حول أسلمة علم
النفس في قاعة المحاضرات العامة في الجامعة الأردنية 1965، وقد لاقت فكرتي الكثير
من الأسئلة الساخرة، والتعليقات التهكمية من ضمن تلك التعليقات والأسئلة: ما علاقة
علم النفس بالدين، لقد كافح العلم على مدى العصور الماضية أيما كفاح من أجل التخلص
من التبعية للدين، هل تريد لعلم النفس أن يتراجع للحقب السوداء حيث ثنائية الدين
والفلسفة، بعد المحاضرة المثيرة للجدل نصحني بعض من الأساتذة في قسم علم النفس
بأنني إذا واصلت في عرض فكرتي حول الأسلمة فربما أفقد احترامي كعالم.
بعد إحدى عشر سنة من هذه المحاضرة تم استدعائي من طرف جمعية علماء علم الإجتماع المسلمين في أمريكا لتقديم ورقة بحثية حول أسلمة علم النفس بعنوان: “علماء النفس المسلمون في جحر الضب” وقد كنت مندهشا من تفاعل الحضور مع فكرة البحث خاصة من قبل علماء النفس الأمريكيين الذي دخلوا الإسلام حديثا. أحد هؤلاء العلماء هو السيد Dr. John Sullivan خاطبني قائلا: لقد اكتشفت أنني كنت أيضا في جحر ضب خلال سنوات عملي الماضية وقد قدم هذا الدكتور استقالته كاستشاري في المستشفى ويعمل على وظيفة العلاج النفسي في إطار الأسلمة وله كتاب مميز في هذا المجال بعنوان: Islamic Counseling.
ومن الشواهد الهامة على ما يميز بدري في مجال التواصل الثقافي وعلاقته المميزه مالكم اكس داعيه الحقوق المدنيه وتاثيره الكبير على شخصيته
التواصل مع مالكولم إكس والانفتاح على المسلمين السود في أمريكا:
كان التقاءنا الثاني حول شخصية داعية الحقوق المدنية الأمريكي مالكولم إكس أو الحاج مالك الشاباز الذي دفعنا الاعجاب به إلى البحث في تاريخه وخطاباته ثم علاقته الغريبة بالسودان كان إكس احد دعاة جماعة أمة الإسلام التي أسسها اليجا محمد كمنظمة للمسلمين السود فعرفت انه إلى جانب د احمد عثمان اول من دل مالكولم إكس إلى التناقضات التي يحويها تصوره عن الاسلام والشيخ أحمد حسون الذي رافق إكس حتى وفاته فقام بتجهيز جثمانه للدفن عرفت أن من أوائل من التقى بإكس من السودانيين كان هو مالك بدري ولا أدري هل اختار إكس إسم مالك متأثراُ بذلك اللقاء في الفندق الكبير بالخرطوم وما تبعه من لقاءات في بيت الشيخ بابكر بدري بام درمان وهذا يكشف عن بعد مهم في شخصية مالك بدري هو البعد الدعوي القائم على الانفتاح والمبادرة
وتعتبر المقابلة التلفزيونيه التي اجراها صديقنا د محمد خليفة صديق مع الاستاذين مالك بدري وأحمد عثمان اكثر المواد سعة وموثوقية في بيان هذا الجانب من شخصية المالكين مالك بدري ومالك الشاباز رحمهما الله.
.
.
تعليقات
إرسال تعليق