الإعلام والمجتمع والعولمة
الإعلام والمجتمع والعولمة
Sep 30, 2017·تاريخ النشر على ميديوم
الغزو الثقافي أم مجتمع المعرفة
محمد بابكر العوض
تعتبر ظاهرة العولمة Globalization phenomenon وليدة التطور التقني في مجال الاتصال، وعادة ما تختزل فكرتها الرئيسة في مقولة (مارشال ماكلوهان) العالم قرية إلكترونية. وتمثل العولمة تحدياً واضحاً للمجتمعات الإنسانية غير الغربية. وفي الوقت الذي انشغلت فيه المجتمعات والدول بمعالجة الجوانب الاقتصادية والسياسية والقانونية بسبب الحساسية المرتبطة بهذه الجوانب ظلت الجوانب الاجتماعية والثقافية تحظى باهتمام محدود.
في هذا المقال سنقوم بدراسة أحد الجوانب المتعلقة بالوجه الاجتماعي والثقافي للعولمة، فمن المؤكد أن فكرة مجتمع المعرفة التي يتم التبشير بها الآن تمثل الجانب (الاجتماعي والثقافي) لظاهرة العولمة. ومن هذا الجانب اكتسبت فكرة مجتمع المعرفة أهميتها.
ظلت وسائل الاتصال حتى عقد التسعينيات توصف بأنها جماهيرية، وتبعاً لعملية استيراد تلك الوسائل الاتصالية وفد هذا الوصف للمجتمعات الإسلامية دون أن يخضع لما خضع له من مراجعات وانتقادات أثناء مسيرة تكونه الأول في الدول الغربية، حيث ظل مفهوم (الجماهيرية) في الثقافة والفلسفة موضوعاً لمناقشات ودراسات طويلة ومعمقة.
ولكن ومع بزوغ عقد الثمانينيات وظهور تقنيات الملتيميديا وانتشار استخدام الإنترنيت على نطاق واسع بدأ الحديث عن مجتمع المعرفة ومجتمع المعلومات بالانتشار على حساب ذلك المفهوم، وخصوصاً بعد ما بدأ يظهر من تأطيرات نظرية للمفهوم الذي انتقل من حيز الرؤى الفلسفية إلى خانة نماذج التنمية البشرية، بعد ما عقد حوله من ندوات ولقاءات دولية، إلى أن تم تبنِّيه بشكل رسمي من قبل المنظمة الدولية، وما يعنينا هنا هو معرفة مسيرة هذا الانتقال المهم للمفهوم الذي انتهى إلى مساع حثيثة باتجاه تعزيز التحاق المجتمعات الإسلامية بمنظومة مجتمع المعرفة.
وإذا نظرنا إلى الأبعاد التقنية والمعرفية والتنظيمية للنموذج فيمكننا ملاحظة الآتي:
تقنياً: فشلت التكنولوجيا في تحقيق الحلم الإنساني بالفردوس الأرضي الذي ينعم فيه الإنسان بالأمن والاستقرار، ويفرغ فيه جهده وجهاده من أجل الإعمار وتحقيق نماء مستمر للإنسانية جمعاء، كما فشل كل ما تم تحقيقه من تقدم تكنولوجي في توحيد أبعاد الكرة الأرضية والقضاء على المسافات ومنع العزلة وتحقيق التواصل.
ومعرفياً: برزت مسألة التواصل المعرفي والاهتمام بالمضمون الاجتماعي للمعرفة والاهتمام بالروابط العقلية التي تربط بين الناس وتجعل التفاهم بينهم ممكناً، فعن طريق المعرفة كما يقول (نيكولاي برديائيف) يستطيع الإنسان أن يخرج من عزلته وانطوائه الذاتي، كما تساعده أيضاً على التغلب على التفكك الناشئ عن التقسيم
المكاني والزماني للعالم. والمعرفة في الواقع قوة موحدة في عالم مفكك، والجانب الاجتماعي من المعرفة يعرف بصحته الجميع، والمنطق نفسه الذي هو أساس الاتصال العقلي هو أيضاً ذو طابع اجتماعي، ودرجة الاتصال التي تبلغها المعرفة تعتمد اعتماداً كبيراً على الروح الاجتماعية الموجودة في مجتمع ما، وما دامت الإحالة الموضوعية العقلية تقتضي الإحالة الاجتماعية فينبغي إذن أن تتنوع تبعاً لتنوع المجتمعات(1).
أما سياسياً وتنظيمياً: فقد ساد الفكر العالمي المرتبط بالاتصال خلال ربع قرن معتقد مفاده أنه لا يجب لأي حاجز أن يعطل تنقل الأنباء بين الأمم، وقد كانت اليونسكو صاحبة هذا المعتقد، وقد وافق ذلك فترة هيمنت فيها الولايات المتحدة على المنظمات الدولية (فكرة التدفق الحر للمعلومات).
وكما سعت نظريات المجتمع الجماهيري في النصف الأول من القرن الماضي للتأطير لمجتمع ما بعد الصناعي، تنهض اليوم دعوات للتأسيس لنموذج قياسي للمجتمع الإنساني يتأسس على حقيقة حتمية التواصل والتفاعل القائم بين مكونات المجتمع الكوني كنتيجة مترتبة على تشغيل المبتكرات الاتصالية. اصطلح على تسميته بـ(مجتمع المعرفة/ مجتمع المعلومات).
ويشير عدد من علماء الاتصال في عالمي الشمال والجنوب إلى الأزمة المترتبة عن الفجوة التي أحدثها التقدم في الصناعة المعرفية، والذي أتاح قدراً أكبر من الوعي بالمشكلات الاتصالية دون أن يتيح له ما يناسبه من حلول تقنية مباشرة، إضافة إلى أن المعالجات النظرية المقدمة في هذا الاتجاه سرعان ما تفقد وجاهتها العلمية وجدواها العملية بسبب سرعة النمو واطراد التقدم والتطور في تقنيات الاتصال على نحوٍ لا تكافؤه حركة تنظيرية منتظمة، وبسبب روح التحكم والتأطير المسبق لمسارات النظر في
مسائل الفكر الاتصالي (أيدلوجيا الاتصال) التي يقدمها منتجو التكنولوجيا كشرائط لازمة لاستخدام تلك المنتجات والاستفادة منها، ولا شك أن إشكالات من هذا النوع لها امتداداتها على الواقع التطبيقي للنظام الاتصالي في المجتمع الكوني.
ويتأسس المشكل الاتصالي القائم على محددات متعلقة بالمنطلقات الفكرية للرؤية الاتصالية السائدة في واقع الإنسان اليوم، لقد تم التركيز بشكل أساس على الوسائل، والتي تأسست بدورها على اعتقاد جازم بمحورية الإنسان ومطلقيته في الوجود، إلى جانب الطبيعة وقواها، وهو ما تم التأسيس له ليقوم إطاراً كلياً للعلم المعاصر.
من ناحية ثانية تم النظر إلى العلاقة بين الإنسان والتقنية من منظور جدلية العلاقة بين الإنسان والطبيعة، والإيمان بخاصية التناسب العكسي بين نمو الـ (Soft ware) وضمور الـ (Hard ware)، وهي كما سنعلم خاصية إن صدقت في حق الآلات والتقنية فهي لا تصدق في حق الإنسان.
من ناحية ثالثة تم النظر إلى العلاقة البينية بين الوحدات الحضارية المكونة للمجتمع الإنساني من منظور صراعي تناسخي، قوامه أن الإقلاع الحضاري للمجتمع الإنساني يبدأ بنهاية التاريخ وانتفاء النقائض، وبالتالي يأتي هذا الإقلاع على حساب فكرة التعايش والتعارف بين الخيارات الحضارية المتباينة.
لقد نجم عن هذه التصورات، أو قل الإشكالات المعرفية، واقع أصبح فيه النظام الاتصالي ومنابر الحوار الحضاري ومؤسسات التثاقف الإنساني مجالاً تتجلى فيه صراعات الهيمنة بكل أنواعها.
وبالتالي فلا يجزي لإصلاح ذلك الوضع التمادي في البحث عن تأطيرات وضوابط تشريعية، دولية كانت أو محلية، للجم تلك الإرادة، وإصلاح ذلك الواقع، ما لم تسبقها مساع جادة لبلورة رؤى نظرية جادة تعالج مشكل الاتصال في مجتمع المعرفة
في ضوء المعطيات المعرفية التي يصدر عنها كل طرف من أطراف منظومة الاتصال الدولي، وبما أننا نعمل في إطار الدائرة الإسلامية فإننا نؤمن أن بلورة منظور إسلامي للاتصال الدولي هو أولوية تسبق كل المساعي الإجرائية.
من ناحية عملية سيقابلنا أن البحث في موضوع مجتمع المعرفة يشتمل على ثلاثة أبعاد رئيسة يحتوي كلٌّ منهما مكونات متعددة، بُعد تقني تتأسس عبره علاقة الإنسان والتكنولوجيا، وبُعد اجتماعي اتصالي يمثل انعكاسات الثورة المعلوماتية على البنى والعلاقات الاجتماعية القائمة، وبُعد سياسي تنظيمي قوامه محاولات التأطير التشريعي والتنظيمي للعلاقات بين وحدات المنظومة، وفي هذا النموذج تأخذ العلاقة بين الأبعاد الثلاثة طابعاً إشكالياً، إذ من المؤكد أن هذه الأبعاد متداخلة على نحوٍ يجعل من المتعذر الفصل بين أجزائها، ومن ثم تبين كل ما تنطوي عليه من تعقيدات تسهم بدورها في تعقيد الأزمة الاتصالية في عالمنا المعاصر.
وترجع أهمية ما نحن بصدده من نظر في نموذج مجتمع المعرفة كطرح متعلق بتأطير وهيكلة ظاهرة الاتصال الدولي إلى عوامل عدة يتعلق بعضها بالعلم نفسه، بينما يرتبط البعض الآخر بواقع العولمة الذي ولّد مناخاً يجعل التفاعل بين الثقافات الإنسانية المختلفة أمراً ضرورياً، كما أن هناك عمل مرتبط بموقع المجتمع الإسلامي من النظام الاتصالي الدولي، وعامل أخير موضوعي يبرره واقع المقابلة النظرية بين النموذج الغربي والإسلامي، وتفصيل ذلك في النقاط الآتية:
1- من المسلَّم به أن علم الاتصال هو علم حديث النشأة، ومن ثم فإن الدراسات الفلسفية المتعلقة بمفاهيم هذا العلم لا زالت ذات أهمية عالية، وقد قدم علماء الاتصال المسلمون الكثير من الملاحظات المنهجية والاستدراكات الموضوعية على هذا العلم، فإذا كان للنموذج الغربي مبرره في التحيز متجاوزاً تلك الملاحظات والاستدراكات، فإن
الحاجة قائمة الآن وفي الواقع الاسلامي لأن يتم جمعها في إطار واحد عبر رؤية نظرية تنظمت في إطار كلي، ويتم التعبير عن تلك الرؤية بمفاهيم حدية قابلة للقياس والمعايرة والتطبيق، وهي بغية هذه الدراسة.
2- يحتاج المجتمع الإسلامي لرؤية مميزة في مجال الاتصال تحفظ له خصوصيته وتميزه عن المجتمعات الأخرى، كما حدث في مجالات الاقتصاد والاجتماع والسياسة.
3- على المستوى الدولي يتم تبني نموذج مجتمع المعرفة من قبل النظام الاتصالي الدولي القائم كنظام معياري (وربما كأيدلوجيا ثقافية) للحكم على منظومات مجتمعية وأنظمة اتصالية أخرى، ويتجسد هذا التبني في شكله المؤسسي والتشريعي في واقع العولمة ومقرراتها.
4- كما أنه من الطبيعي، ونظراً للاختلاف العميق في منطلقات العقل المسلم مع نظيره الغربي، أن تكون له رؤيته الخاصة لعلم الاتصال وظواهره.
و بمناقشة مفهوم مجتمع المعرفة وجذوره الفكرية والملابسات الظرفية التي صاحبت ظهور المفهوم وتعميمه. نشرع في محاولة رسم خطوط عامة لما يمكن أن تكون عليه رؤية بديلة للاتصال الإنساني تقوم على المنظور الإسلامي قابلة للتقديم كحل لتجاوز إشكالات الواقع الاتصالي الدولي.
لكن وبشكل عام فإن مفهوم مجتمع المعرفة وظهوره وما دار حوله من نقاش في المجتمعات الليبرالية نفسها، مؤكداً على الانعكاسات المتوقعة لمفهوم مجتمع المعرفة على المضامين الاتصالية الدولية، وذلك عبر مسح عام للأدبيات المتعلقة بالموضوع.
ففي أغلب الأحوال كانت هناك استدراكات علمية مهمة على الفكرة منذ ظهورها في الأطر الأوروبية، وإذا كانت المنافسة الثقافية والفكرية بين النموذجين الأمريكي
والأوروبي قد أدت إلى تجاهل المدرسة الاتصالية الأمريكية لتلك الاستدراكات (الأوروبية غالباً)، فما هو تقييم الفكر الاتصالي العربي الإسلامي للدعوى القائمة؟ وما هو تصوره للموقف الذي ينبغي أن تتخذه الشعوب والمجتمعات المسلمة من أطروحة بالحاج، أطروحة مجتمع المعرفة؟
من ناحية أخرى نناقش إمكانية بلورة رؤية بديلة متأسسة على أصول الإسلام، مستهدية بالتجربة الإنسانية، سعيا لاستجلاء الموقف العربي والإسلامي من خلال مراجعة التراث العلمي من كتابات أكاديمية بحثية، ومقررات الملتقيات العلمية التي عالجت هذه المسألة في بعض البلاد الإسلامية ومن ممارسات واقعية باشكال التواصل المعرفي مع الإسلام وثقافته خاصة مع انتشار " الجامعات والمراكز المشتغلة بالدراسات الاسلامية، واللغة العربية، كما هو في بعض الدول مثل فرنسا والمانيا وبلجيكا."
انظر:عمر جسام عنيد. "أحكام تجنس المسلم بجنسية الدول غير المسلمة." journal of islamic sciencec collge 19 (2009).
.
تعليقات
إرسال تعليق