هي عصاي: التفاهم والصراع في استخدامات الشبكات الدولية للاتصال

   تلعب الاتصالات والتكنولوجيا والمعلومات دورًا أساسيًا في تقدم الناس وفي جوانب حياتهم وأسباب رفاهيتهم. من المؤكد أن المبادئ الفكرية والقيم الاتصالية السائدة يجب ان تقوم في ذات الوقت على تعزيز الإيمان بمركزية الإنسان ووجوده المتكامل مع الطبيعة وقواها وهو ما يبدو انه يتحقق ولكن جنبا إلى جنب مع التمكين المتزايد للآلة والأداة ومن يمتلكها ويستخدمها للتحكم في بقية البشر. 

    ولتصحيح هذا الوضع تتوالى المساعي لتحقيق توافقات حول نظام الاتصال الدولي، وتؤكد الدراسات المسحية والاحصائيات الجارية أن معدلات بقاء مستخدمي منصات التواصل الاجتماعي على مستوى العالم أمام أجهزة الكمبيوتر والموبايل ترتفع بنحو يقارب 60 في المئة في المتوسط على مدى السنوات الثمان الأخيرة.وإذا قرنا ذلك بالأعوام الأولى من تسعينيات القرن الماضي حيث ترتفع لافتات العولمة باعتبارها تحقيقاً لحلم انساني قديم في الحكم والتحكم،وما فتئت تكتسب لنفسها  نفوذا طاغيا لم بتأت لمفهوم إنساني من قبل اقد جعلت العولمة Globalization التفاعل اليومي بين البشر أفراد وجماعات وثقافات أمراً ممكناً وواقعا معاشا، وعندما ننظر لموقعنا في المجتمع الانساني من هذه الزاويه تتغير كثير من الاشياء لدينا لدأً من رؤيتنا للعالم حتى نظرتنا لانفسنا حين نبدو ضمن هذه الفسيفساء البشرية جزءا من كل نسعد ونستنمتغ بانتمائنا اليه مع كل ما ينتظمه من اختلافات وتناقضات.

    إننا كما يقول أستاذ البيولوجيا السلوكية والتطورية في جامعة سانت أندروز في المملكة المتحدة كيفن لالاند  KN Laland‏ "نعيش في مجتمعات معقدة ومنظمة تدور حول قواعد، وأخلاقيات، ومؤسسات اجتماعية تتفاعل وتتواصل رمَزيا ولغوياً، وتعتمد بشدة على التكنولوجيا. اقد ابتكرنا آلات تطير، ورقاقات إلكترونية، ولقاحات. كما كتبنا القصص، والأغاني، والسوناتات، ورقصنا في بحيرة البجع" وهو ما لم تظهره أي كائنات اخرى  تشاركنا الحياة على ظهر هذا الكوكب. 

    إن أهم ما يجمعنا مع معظم أفراد الأسرة الإنسانية هو إيماننا المشترك بحقيقة أن القوة الإلهية العليا هي وحدها من يملك لسيطرة الكاملة على الوجود، وهو إيمان لا يمنعنا من المراقبة العلمية الدقيقة للمخلوقات التي نشاركنا أو نشاركها العيش على سطح الأرض، بما في ذلك الحيوانات. والحشرات والكائنات الدقيقة وربما أضيف إليها قريبا الآلات والروبوتات... وإذا تعرض هذا الكوكب القديم والجميل للدمار بأي طريقة يتحمل الانسان بما منح من قدرات علمية وتقنية مسؤولية كبيرة فللبشر دور كبير ومن ثم يتحملون مسؤولية مشتركة تجاه عالمهم. وأهم المسؤوليات وأخطرها التحكم في استخدامنا وتطبيقات التكنولوجيات المختلفة التي أوصلتها الأطماع إلى الأيدي البريئة  والآثمة دون تمييز. إن اخطر جيراننا وشركائنا دائماً هم من البشر.

   مثلما ينشغل العالم اليوم بجائحة فايروس كورونا (كوفيد-19 )

كانت أحداث ال١١ من سبتمبر في تسعينيات القرن العشرين مناسبة تضاعف فيها الشعور بهذه المسؤولية. فقد اخبرتنا القنوات الفضائية في نهار ذلك اليوم أن شباباً بامكانيات هواة استغلوا طائرات ركاب وتمكنوا من تدمير أهم برجين في نيويورك، لم يلق أحد اللوم على التكنولوجيا فمقاطع الصوت والفيديو تقول أن الفاعلين هم شباب شرق أوسطيين يتحدثون العربية وهذا بالنسبة للصحافة بعد يمنح القصة قيمة أكبر مما لو عرض الأمر باعتباره استغلال غير مسؤول اتكنولوجيا الطيران فاتجهت الميديا والفضائيات تحديداً للطرق الكثيف على التناقض الذي يجسده الحدث والمقابلة بين تصورين لبرالي غربي وأصولي إسلامي للعالم.

    ومن الغريب أن عالما وأكاديميا ضليعا مثل تشومسكي لا يرى جديداً في 11 سبتمبر ذلك اليوم المشهود سوى ان المسدسات اطلقت في الاتجاه المعاكس لما هو مألوف يقول تشومسكي Chomsky "لأول مرة تتم مهاجمة أمريكا في عقر دارها. لذا، فالمقارنة مثلا مع أحداث بيرل هاربر يبدو فيها نوع من التشويش والتضليل التاريخيين. لأنه في 7 كانون الاول (ديسمبر) 1941، هوجمت القواعد العسكرية الأمريكية في مستعمرتين أمريكيتين ولم يتم المساس بالأراضي الأمريكية.للمرة الأولي إذن، تتوجه فيها البنادق إلي الاتجاه المعاكس . " مع ذلك افلحت دراما 11 سبتمبر في توفير مبرر لوسائل الاعلام المغرضة لمهاجمة الاسلام والمسلمين وعرضهم كعنصر رئيس في بنية أزمة الاتصال الإنساني..   

ولعل تذكر هذا الحدث مهم لغهم ما يحدث اليوم من تقسيم لأنظمة الاتصال الدولي على اسس جغرافية وثقافية آخذة في الاندماج والتمازج أو بمعنى أدق التعولم هنا يظهر الإسلام كفئة تصنيف  وهو وضع يبدو كأنه افضل من سابقه، لكنه يظهر كخيار رافض لعملية الاندماج تلك.

هي عصاي: التفاهم والصراع في استخدامات الشبكات الدولية للاتصال 

في العام ٢٠١٩ قامت مؤسسة "غلوبال ويب إندكس" بتحليل بيانات من 45 من أكبر دول العالم في "أسواق الإنترنت"، ورأت أن الوقت الذي يكرسه كل شخص لمواقع التواصل الاجتماعي أو تطبيقاتها ارتفع من 90 دقيقة يوميا عام 2012 إلى 143 دقيقة في الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2019.

مع ملاحظة وجود تفاوت في الاستخدام على المستويين الإقليمي والوطني فمن المفارقات المذهلة أن أمريكا اللاتينية يوجد بها أكبر عدد من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي ، ويبلغ متوسط ما يقضونه يوميا 212 دقيقة. أما الأدنى إقليميا في الوقت المنقضي على وسائل التواصل الاجتماعي فهو في أمريكا الشمالية (116 دقيقة).

والمفارقة تتكرر في آسيا حيث يتصدر الفلبينيون قائمة الشعوب التي تقضي أكثر الأوقات على وسائل التواصل الاجتماعي، بمعدل 241 دقيقة يوميا، مقارنة بـ 45 دقيقة فقط في اليابان. وهي مفارقة توضح ان العلاقة عكسية بين تصنيع وتجارة التكنولوجيا واستخدامها.

  وتماشياً مع المنطق السائد تركز هذه التحليلات على الوسائل مهملة المحددات الأخرى الكامنة وراء أنماط الاستخدام والتعرض السائدة فلا تهتم بالاجابه على سؤال مثل لماذا الشعوب الاقل نموا تنفق في استخدام التكنولوجيا وقتا ومالا اكثر من الذي تنفقه الشعوب الاكثر تقدما؟

 واذا حاولنا أن نتجرد لننظر للأمر في إطار جدلية العلاقة بين الإنسان والتكنولوجيا ، والإيمان  بأهمية المحافظة على معادلة التناسب العكسي بين نمو (الأدوات الناعمة) software وضمور (الاجهزة والعتاد) hardware ، فعلينا أن نتذكر التطور التكنولوجي والايمان بحق الآلات والتكنولوجيا ، في الوجود والنمو جنباً إلى جنب مع البشر بغض النظر عن موقع الإنسان في معناه المطلق من ذلك. وحتى ندعم المحافظة المطلوبة على التوازن الذاتي لإنسان الألفية الثالثة سنعتبر ان هذا مجرد تصور افتراضي يقوم على مقولات اليوتوبيا الرقمية وافلام الخيال العلمي، ولا يصلح لقراءة وتفسير الإحصائيات السابقة. ولا يمثل توجها ايجابيا في التفكير في إصلاح هذا الوضع باستمرار البحث عن أطر وضوابط تشريعية ، دولية أو محلية ، لإصلاحه والحد من تشوهاته ، قدنحتاج للبعض من نوايا صادقة ومبادرات جادة لتطوير رؤى مشتركة لمعالجة تعقيدات الواقع التواصلي. 

من جانبها ترى اليونسكو عبر مشروعاتها المتعلقة بالاتصال والمعلومات والمعرفة أن "تكنولوجيا المعلومات والاتصال، التقليدية منها والحديثة، تتيح للناس، في كل أنحاء العالم، إمكانيات جديدة وفرصا للارتقاء في سلم التنمية. غير أن الكثير من الشعوب والأمم، لاسيما الأكثر فقرا، لا تتاح لها بصورة حقيقية ومنصفة إمكانية إنتاج المعلومات ونشرها واستخدامها، الأمر الذي يحرمها من الكثير من الفرص."

    من جانبنا ومن داخل الدائرة الحضارية التي ننتمي اليها نؤمن أن منظور إسلامي للتواصل الدولي يمثل أولوية سابقة لجميع المساعي الإجرائية ودليل حي على إيجابية مجتمعاتنا وحرصها على علاقات طيبة مع الجميع. ويتضمن تنزيل ذلك على أرض الواقع التلازم والتنسيق بين ثلاثة أبعاد رئيسية، بعد تقني يتم من خلاله تأسيس العلاقة بين الإنسان والتكنولوجيا ، و بُعد تواصلي اجتماعي يمثل انعكاسات ثورة المعلومات على الهياكل الاجتماعية القائمة والعلاقات ، وبعد سياسي تنظيمي يقوم بالتأطير التشريعي والتنظيمي للعلاقات بين وحدات النظام، لقد ظلت اليونسكو وفروعها الاقليمية تسعى للقيام بهذا الدور على المستوى الدولي، حيث يتم تبني بعض النماذج كنماذج معيارية يحكم عبرها على النظم المجتمعية وأنظمة الاتصال الأخرى ، وهذا التبني في شكله المؤسسي والتشريعي يبدو ننزيلاً للعولمة وقراراتها أكثر منه تعاملا مع انعكاساتها السالبة وتحكماتها المرفوضة من قبل طثير من المجتمعات.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

التواصل المعرفي والاتصال الثقافي في حياة مالك بدري 1932-2021م

‮‭ ‮طه عبد الرحمن والأخلاق الإسلامية في مجال الإعلام والاتصال د.هشام المكي‬‎

سنوات العولمة: قوة الهويات وتفكيك المركزيات