القراءة الإسمية والفعلية او (قراءة القرآن بمنظوره)
![]() |
غار حراء |
في غار حراء حول مكة وفي ليلة القدر من شهر رمضان بدأ نزل الوحي على رسول الله قال تعالى: (إنا أنزلناه في ليلة القدر)، وقد أفادت الأحاديث الصحيحة بأن ذلك كان ليلة الإثنين قبل أن يطلع الفجر، في ليلة 21 من رمضان، وهي توافق يوم 10 من أغسطس عام 610، تقريبا ..قناعتي ان أي معالجة للقرآن ومحاولة للتعامل معه ينبغي ان تبدأ من هذه الحادثة؛ ان تنطلق من قوله تعالى "إقرأ باسم ربك الذي خلق" ليس فقط لأنها اول ما نزل من القرآن بل لأن في تقدمها نزولاً إشارة إلى وجه من الأهمية يتمحور حول هذه البادئة لفظاً ودلالة، إنها تقول انه إلى جانب المحتوى التأويلي والتنزيلي للوحي الجديد فمن اهم ما يتعلق به انه "نزل ليُقرأ".
إذن "إقرأ" هي أول جملة قرآنية وأول أمر إلهي نزل به أمين الوحي على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم،والأمر واضح انه أمر بالقراءة،فعلاً وللنبي عيناً بشرط ان تقرأ باسم ربك ويتكرر الأمر باللفظ ذاته "إقرأ وربك الأكرم" والمخاطب ذاته وهو النبي الأمي.
وقد وقف كل من تناول سورة العلق بالدراسة والتدبر على هذا الأمر المتكرر بالقراءة كل ينظر إليها من زاوية خاصة، فهذا صاحب التحرير والتنوير يرى " افتتاح السورة بكلمة ( اقرأ ) إيذان بأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سيكون قارئا ، أي : تاليا كتابا بعد أن لم يكن قد تلا كتابا ، قال تعالى : ( وما كنت تتلو من قبله من كتاب ) أي : من قبل نزول القرآن ، ولهذا قال النبيء - صلى الله عليه وسلم - لجبريل حين قال له اقرأ : ما أنا بقارئ . وفي هذا الافتتاح براعة استهلال للقرآن . وقوله تعالى : ( اقرأ ) أمر بالقراءة ، والقراءة نطق بكلام معين مكتوب أو محفوظ على ظهر قلب ." [ ابن عاشور : التحرير والتنوير-ص: 435 ]
والقراءة "كما يراها حاج حمد " قراءتان: قراءة باسم الله وقراءة مع الله.
والقراءة "كما يراها جاك بيرك" قراءتان: غربية وإسلامية. أما الغريبة فتقضي أن نقرأ لكي نفهم. وهذه قراءة تنجز اسمها. وأما الإسلامية، فتقضي أن نفهم لكي نقرأ، وهذه قراءة تنجز فعلها. –يقول مترجم كتاب (القرآن وعلم القراءة) لبيرك وإننا لنرى أن الفارق بين القراءتين هو فارق بين حضارتين: حضارة شخص، وحضارة نص، ولما كان ذلك كذلك، فإن وضع قراءة مكان أخرى يستلزم تغيير البنى التكوينية تغييراً كاملاً. ولأن هذا محال، فستبقى قراءة القرآن بغير منظوره قراءة اسم لا قراءة فعل.
و كلمة "إقرأ" من حيث الدلالة اللغوية كلمة في قاموس اللغة العربية ولكنها في القرآن إيذان بلحظة فارقة في تاريخ البشرية، ستتحول بعدها أمة كاملة من ظلمات الأمية الجاهلية إلى نور العلم والمعرفة، وعندما ننظر في إحداثيات هذه الكلمة على الخارطة القرآنية نتبين أبعادها المختلفة نجدها نزلت في مثل هذا الشهر من رمضان وهي أمر إلهي، للنبي الأمي محمد بأن يقرأ.
والأمر في القرآن له دلالة على طلب الفعل والحث عليه وهو بذلك مطابق للمعنى القاموسي، و"الأمر" في القرآن كذلك فعل وجودي مناظر للخلق "اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا" (الطلاق:12)
منذ ذلك اللقاء الأول بين أمين الوحي جبريل والنبي محمد على جبل حراء، ابتدأت رحلة البشرية مع خبر السماء وما فتئت الإنسانية تعالج ذلك النص ويعالجها إلى يوم الناس هذا.
تعليقات
إرسال تعليق