الوحي والثقافة: تواصلات الانسان الصالح

برنامج مقاربات (قناه الشروق): الحلقه 1  د.محمد بابكر العوض حاوره البروفيسور الجيلي علي البشير.

الكلمات المفتاحية

الوحي الإلهي - مفهوم الثقافة - الاتصال - الدعوة  -الاعلام الإسلامي- علم الدعوة- التواصل الإنساني.

السؤال: كيف يتأتى للوحي أن يشكل حضوراً في سياقات الزمان والمكان مع طبيعته الإطلاقية؟

..انا سعيد استاذنا دكتور الجيلي ان نلتقي بعد كل هذه السنوات، وفي هذا البرنامج الرائع الذي ساهم في رسم الخارطة الفكرية في فتره عصيبة جداً في تاريخ المجتمع السوداني، واشكرك على هذه الدعوة ابتداء لمناقشه هذا الموضوع الذي ورد في سياق اعتبره اثيراً بالنسبة لي وكان مناسبة كريمة لازور بلداً له دلالة في هذا الوقت وهو (تونس الخضراء) وذلك للمشاركه في مؤتمر بعنوان (معالم صورة الإنسان بين المرجعيتين الإسلامية والغربية) وهذا ما ولد لدي التساؤل: ما هو المفهوم الذي يجسد حياة الصورة لدى الإنسان المسلم؟ وما هو المفهوم الذي يتصل بالصورة والتصور في العقل الغربي؟ 


والذي صدرت أعماله في كتاب حمل ذات عنوان المؤتمر. وجسد "محاولةٌ ناقدةٌ وفاحصةٌ للكشف عن المفارقات التصوّرية بين الفكر الغربي والفكر العربي الإسلامي في النظر إلى الإنسان وتأسيس النظريات العلمية والعملية المتعلقة به" وهو من تحرير الزميلين د.رائد عكاشة من الأردن و د.عائشة الحضيري من تونس.

مفهوم الوحي:

وجدت ان الوحي هو الدلالة الأكثر حضوراً في الموجود الإسلامي دون شك، وقوة حضوره في انه يمثل استحضار الغيب في الواقع المشهود، من خلال استخدام الخطاب اليومي لدينا حيث ترِد كثير من آيات القرآن في خطابنا اليومي من صباح اليوم إلى مسائه من خلال الأمثال والاستشهادات والإحالات في الخطاب الشخصي، وكذلك هو في الخطاب العقدي، وهذا هو الحضور الطبيعى للوحي كمرجعية للفكر الديني و مرجعية للموقع و للموقف الإسلامي بالنسبة للأفراد والجماعات أيضا. حتى على المستوى الثقافي لا تنفك ثقافة المسلمين ومنها الثقافة السودانية عن الارتباط بالوحي، فلو اعتبرنا الأديبين العظيمين البروفيسور عبد الله الطيب و الأديب الطيب صالح عينة للمكتوب السوداني نجد أن للخطاب القرآني حضورٌ طاغٍ في كتاباتهما. 

وهذا الاستخدام للقران في الخطاب الأدبي يجسد هذا المعنى و يعبر عن أن الوحي على إطلاقيته وعلى ما تشير اليه المفرده في المعجم اللغوي العربي، حيث كلمة وحي أقرب الى الإيحاء وهو بالضروره حديث بغير العبارة المباشرة. كما ورد في القران في موقف سيدنا زكريا في أول سورة مريم “فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا”(مريم:11) فكان إيحاؤه لهم بالاشارة لأنه كان صائماً عن النطق بالعبارة، ومع ذلك نجد أن هذا الوحي الذي يدل على الغيب له حضور على مستوى الخطاب وعلى مستوى الرمز الثقافي، فاللوح والدواة و اختيار الألوان والاسماء كلها مربوطة لدينا بالوحي. فالأسماء القرانية محببة لدى المسلمين بشكل عام بالذات الذين يجيدون استخدام اللغة العربية,نجد أن الألوان التي ذكرت في القران لها معنى وحضور في حياتنا كذلك الطعام وغيره من الانشطة البشرية ، هذا يوضح انه حتى مفهوم الغيب البعيد المطلق في واقع المجتمعات الدينيه.. وهنا نجد انفسنا مضطرين عندما نتحدث على المجتمعات الدينيه التمثيل بالمجتمعات الاسلاميه بسبب ان حضور الدين بهذا الوصف اصبح محصوراً بشكل كبير في هذه المجتمعات.

 وضعية مفهوم الثقافة:

..عندما ننظر لمفهوم الثقافه نجد أنه مفهوم وضعي بالكلية، يعني ليس هناك مساحه لدخول أي بعد ما-ورائي في تعريف الثقافة. حيث يعبر مفهوم عن الجانب المعنوي في السياقات غير الدينية، لذلك فقد رأيت -من جانبي- أن المفهومين الوحي والثقافة هما الأقرب لتجسيد هذين المعنيين.


السؤال في البحث حول القضايا المنهجيه.. الدراسة حول الاتصال والتواصل وهما يدلان على ظاهرة إنسانية قابلة للدرس المعرفي والتحقق العلمي حتى من واقع ومرجعية الشرائع الدينية .فكيف يتحقق لنا أن نجري هذا الدرس المعرفي حول الاتصال والتواصل كسمة فطرية؟

طبعا عندما نتحدث عن الاتصال تحضر في الأذهان الصورة النمطيه للاتصال والغريب ان هذه الصورة النمطية للاتصال هي صورة مستحدثة وليست تلك الصورة الفطرية للتواصل فبمجرد أن نقول اتصال يظهر لنا (مرسل) و(رسالة) و(وسيلة) و(متلقي) تماماً مثل هذا الواقع الذي نحن موجودان فيه الآن دكتور الجيلي والسياق الذي نتحدث من خلاله ؛ فنحن نتحدث في سياق تواصلي سيظهر من خلال شاشه التلفزيون.

نفس نموذج الاتصال يستوعب ويحلل التواصل عبر المراسلات المكتوبة وقد اسهم البريد في تشكيل نوع العلاقات التي تكون بين المتراسلين الذين يمكن ان يكونوا في حاله تراسل رسمية او تراسل ثقافي ومعرفي "بين مفكر وصديق شاعر او ما شابه، وآخر مقابل له"، او بين حبيبين لكن في الواقع الذي نتحدث فيه نجد أن كلمة تواصل اصبحت مشيَّئةً (من الشيء والتشيوء) على نحو فظيع ومن مظاهر ذلك التشيوء أننا أصبحنا لا نستطيع ذكر كلمه اتصال او تواصل إلا وتظهر لخيالنا المربعات الثلاثة او الأربعة او الخمسة "المكونة للنماذج المصورة للاتصال" حيث تتوسط الآلة (الوسيلة) لتسيطر  سيطرة تامة.

واقعية الوحي:

الوحي هو بالضروره طالما أن له مفهوم مستقر في وعينا إذن هو موجود، وموجود هذه يمكن أن تعني على مستوى الواقع أو على مستوى الوعي، وهو ما فهو ظاهره من ظواهر الحياة الانسانية، والتعامل والتعاطي مع هذا الوحي عندما نرجع لتاريخ البشريه نجد أنه فعلا ظاهرة قوية الحضور.

لو سالت اقل الناس معرفة عن اهم (ثلاث) كتب في تاريخ البشريه سيحضر في ذهنه مباشرة الكتب السماوية الثلاث التوراه والانجيل والقران هذا دليل آخر ان هذه الظاهرة لها وجود محسوس أيضا وليس على مستوى الوعي فقط؛ هي موجودة في الثقافة لانه هناك مادة مكتوبة متعلقة بهذا الوحي هذا وجه اخر، يؤكد على انه يمكن ان تدرس مثل هذه الظاهره.. خاصة ونحن نتحدث في سياقي علم الاتصال حيث تعتبر المادة المكتوبه هي النموذج الاول لوسائل الاتصال و الاتصال غير المباشر وغير اللفظي وعندما نرجع الى القران الكريم نجد أنه اكد على هذه الناحيه بصورة حاسمة فكانت أول كلمة نزلت من القران إقرأ وكان رد النبي في الرواية المعلومة ما أنا بقارئ وهو ما يحسم الامر تماما.

.. "إقرأ" لشخص ليس لديه الوحدات المشكلة لفعل القراءة فكان رده ما انا بقارئ انا لا املك ادوات القراءة اذا لماذا قال الله ربنا لنبيه إقرا؟ اعتقد أن عنصرا رئيسيا في الاجابة هو افتراض ان هذا الوحي المنزل سيئول الى كتاب مقروء منذ لحظه التنزيل الاولى كان واضحاً، أن هذه القضيه ضروريه و محسومه ويجب التأكيد عليها. (المادة المكتوبة)عندنا في سياقات العلم والمعرفه هي مادة العلم الأساسية هي المادة التي توثَّق وتقيَّد كتابةً؛ بحيث انها تخرج من مستوى المخاطبه الشفاهية اللفظية التلقائية الأولية إلى مستوى التقييد المنهجي المنضبط وفقاً لمنطق كتابي له وحدات أساسية، وله علاقات و نظم للضبط والترتيب وطريقه للقراءة ..بهذا المعنى أقدِّر أن الوحي قابل للتحقق المعرفي و الدرس العلمي، كما أنه بالمقابل مادة للمراجعة المعنوية للمؤمنين بالوحي.

ومن المؤسف أن نقوم علاقتنا بالقران على توقع وجود عازل بين البعدين المعرفي والإيماني، لذلك نتحدث مثلا عن ترديد آيات أو سور بعينها عدداً من المرات معتقدين أن هذا الترديد هو الدلاله المطلوبة مثلاً ترديد الاخلاص “قل هو الله احد” ثلاث مرات صحيح أن النبي دعا لذلك لكن ما المقصود بالمرات الثلاث هل هو العدد ذاته ام ما وراءه من تحصيل المعنى والتركيز على الدلالة المعرفية المعنوية للسور والآيات.


 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

التواصل المعرفي والاتصال الثقافي في حياة مالك بدري 1932-2021م

‮‭ ‮طه عبد الرحمن والأخلاق الإسلامية في مجال الإعلام والاتصال د.هشام المكي‬‎

سنوات العولمة: قوة الهويات وتفكيك المركزيات